كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وحذف مفعول {يعلمون} لدلالة {كَذَّبُوا بالكتاب} عليه، أي يتحققون ما كذبوا به.
والظرف الذي في قوله: {إذِ الأغلال في أعناقهم} متعلق ب {يعلمون} أي يعلمون في ذلك الزمن.
وشأن {إذْ} أن تكون اسمًا للزمن الماضي واستعملت هنا للزمن المستقبل بقرينة {سوف} فهو إما استعمالُ المجاز بعلاقة الإِطلاق، وإما استعارة تبعية للزمن المستقبل المحقق الوقوع تشبيهًا بالزمن الماضي وقد تكرر ذلك.
ومنه اقترانها بيوم في نحو قوله: {يومئذ تحدث أخبارها} [الزلزلة: 4]، وقوله: {يومئذ يفرح المؤمنون بنصر اللَّه} [الروم: 4، 5].
وأول ما يعلمونه حين تكون الأغلال في أعناقهم أنهم يتحققون وقوع البعث.
والأغلال: جمع غُل، بضم العين، وهو حلقة من قِدَ أو حديد تحيط بالعنق تناط بها سلسلة من حديد، أو سَير من قِدّ يُمسك بها المجرم والأسير.
والسلاسل: جمع سِلْسِلة بكسر السينين وهي مجموع حلق غليظة من حديد متصل بعضها ببعض.
ومن المسائل ما رأيته أن الشيخ ابن عرفة كان يومًا في درسه في التفسير سئل: هل تكون هذه الآية سندًا لما يفعله أمراء المغرب أصلحهم الله من وضع الجناة بالأغلال والسلاسل جريًا على حكم القياس على فعل الله في العقوبات كما استنبطوا بعض صور عقاب من عمل قوم لوط من الرجم بالحجارة، أو الإِلقاء من شاهق.
فأجاب بالمنع لأن وضع الغل في العنق ضرب من التمثيل وإنما يوثق الجاني من يده، قال: لأنهم إنما قاسوا على فعل الله في الدنيا ولا يقاس على تصرفه في الآخرة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الإِحراق بالنار، وقوله: «إنما يعذب بها رب العزة» وجملة {يُسْحَبُون في الحَمِيم} حال من ضمير {أعناقهم} أو من ضمير {يعلمون}.
والسَّحْب: الجرّ، وهو يجمع بين الإِيلام والإِهانة.
والحميم: أشد الحرّ.
وثُمّ عاطفة جملة {فِي النَّارِ يُسْجَرون} على جملة {يُسْحَبون في الحَمِيم}.
وشأن ثمّ إذا عطَفَت الجمل أن تكون للتراخي الرتبي وذلك أن احتراقهم بالنار أشد في تعذيبهم من سحبهم على النار، فهو ارتقاء في وصف التعذيب الذي أُجمل بقوله: {فَسَوفَ يَعْلَمُونَ} والسَّجْرُ بالنار حاصل عقب السحب سواء كان بتراخخٍ أم بدونه.
والسجر: ملْءُ التنور بالوقود لتقوية النار فيه، فإسناد فعل {يسجرون} إلى ضميرهم إسناد مجازي لأن الذي يسجر هو مكانهم من جهنم، فأريد بإسناد المسجور إليهم المبالغة في تعلق السجر بهم، أو هو استعارة تبعية بتشبيههم بالتنور في استقرار النار بباطنهم كما قال تعالى: {يصهر به ما في بطونهم والجلود} [الحج: 20].
{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ} ثمّ هذه للتراخي الرتبي لا محالة لأن هذا القول يقال لهم قبل دخول النار، بدليل أن مما وقع في آخر القول: {ادخُلوا أبْوَابَ جَهَنَّم} ودخول أبواب جهنم قبل السحْب في حميمها والسَّجْرِ في نارها.
وهذا القيل ارتقاء في تقريعهم وإعلان خطَل آرائهم بين أهل المحشر وهو أشد على النفس من ألم الجسم، ولأن هذا القول مقدمة لتسليط العذاب عليهم لاشتماله على بيان سبب العذاب من عبادة الأصنام وازدهائهم في الأرض بكفرهم ومَرَحِهم، وهو أيضًا ارتقاء في وصف أحوالهم الدالة على نكالهم إذْ ارتقى من صفة جزائهم على إشراكهم وهو شيء غير مستغرب ترتُّبه على الشرك إلى وصف تحقيرهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها وذلك غريب من أحوالهم وأشدّ دلالة على بطلان إلهية أصنامهم وهو المقصد المهم من القوارع التي سلطت عليهم في هذه السورة.
فموقع المعطوف ب ثمّ هنا كموقع المعطوف بها في قول أبي نواس:
قُل إن ساد ثم سادَ أبوه ** قَبله ثم سادَ من قبلُ جدُّه

من حيث كانت سيادة جدّه أرسخت له سيادة أبيه وأعقبت سيادة نفسه، وهذا استعمال موجود بكثرة.
وصيغ قيلَ بصيغة المضيّ لأنه محقق الوقوع فكأنه وقع ومَضى وكذلك فعل {قَالُوا ضَلُّوا}.
والقائل لهم: ناطق بإذن الله.
وأين للاستفهام عن مكان الشيء المجهول المكان، والاستفهام هنا مستعمل في التنبيه على الغلط والفضيحة في الموقف فإنهم كانوا يزعمون أنهم يعبدون الأصنام ليكونوا شفعاء لهم من غضب الله فلما حق عليهم العذاب فلم يجدوا شفعاء ذكروا بما كانوا يزعمونه فقيل لهم {أيْنَ ما كُنْتُم تُشْرِكُون مِن دُوننِ الله} فابتدروا بالجواب قبل انتهاء المقالة طمعًا في أن ينفعهم الاعتذار.
فجملة {قَالُوا ضَلُوا عنا} معترضة في أثناء القول الذي قيل لهم، ومعنى {ضَلُوا} غابوا كقوله: {أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد} [السجدة: 10] أي غُيبنا في التراب، ثم عرض لهم فعلموا أن الأصنام لا تفيدهم.
فأضربوا عن قولهم: {ضَلُوا عَنَّا} وقالوا: {بَلْ لَمْ نَكُن نَدْعُوا مِن قَبْلُ شَيْئًَا} أي لم نكن في الدنيا ندعو شيئًا يغني عنا، فنفي دعاء شيء هنا راجع إلى نفي دعاء شيء يُعتدّ به، كما تقول: حسبتُ أن فلانًا شيء فإذا هو ليس بشيء، إن كنتَ خبرته فلم تر عنده خيرًا.
وفي الحديث: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: «ليسوا بشيء» أي ليسوا بشيء معتدّ به فيما يقصدهم الناس لأجله، وقال عباس بن مرداس:
وقد كنت في الحرب ذا تدراء ** فلم أعط شيئًا ولم أمنع

وتقدم عند قوله تعالى: {لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل} في سورة [العقود: 68]، إذ ليس المعنى على إنكار أن يكونوا عبدوا شيئًا لمنافاته لقولهم: {ضَلُّوا عَنَّا} المقتضي الاعترافَ الضمني بعبادتهم.
وفسر كثير من المفسرين قولهم: {بَل لَّمْ نَكُن ندْعُوا من قَبْلُ شيئًا} أنه إنكار لعبادة الأصنام بعد الاعتراف بها لاضطرابهم من الرعب فيكون من نحو قوله تعالى: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23].
ويجوز أن يكون لهم في ذلك الموقف مقالان، وهذا كله قبل أن يحشروا في النار هم وأصنامهم فإنهم يكونون متماثلين حينئذٍ كما قال تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون اللَّه حصب جهنم}.
وجملة {كذلك يُضِلُّ الله الكافرين} تذييل معترض بين أجزاء القول الذي يقال لهم.
ومعنى الإِشارة تعجيب من ضلالهم، أي مثل ضلالهم ذلك يُضل الله الكافرين.
والمراد بالكافرين: عموم الكافرين، فليس هذا من الإِظهار في مقام الإِضمار.
والتشبيه في قوله: {كذلك يُضِلُّ الله الكافرين} يُفيد تشبيه إضلال جميع الكافرين بإضلاله هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله، فتكون جملة {كذلك يُضِلُّ الله الكافرين} تذييلًا، أي مثل إضلال الذين يجادلون في آيات الله يُضل الله جميع الكافرين، فيكون إضلال هؤلاء الذين يجادلون مشبهًا به إضلال الكافرين كلهم، والتشبيه كناية عن كون إضلال الذين يجادلون في آيات الله بلغ قوة نوعه بحيث ينظّر به كل ما خفي من أصناف الضلال، وهو كناية عن كون مجادلة هؤلاء في آيات الله أشدُّ الكفر.
والتشبيه جار على أصله وهو إلحاق ناقص بكامل في وصف ولا يكون من قبيل {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} [البقرة: 143] ولا هو نظير قوله المتقدم {كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات اللَّه يجحدون} [غافر: 63].
وقوله: {ذلكم بما كنتم تفرحون} تكملة القيل الذي يقال لهم حينَ إِذْ الإِغلالُ في أعناقهم.
والإِشارة إلى ما هم فيه من العذاب.
و ما في الموضعين مصدرية، أي ذلكم مسبب على فرحكم ومرحكم اللذين كانا لكم في الدنيا، والأرض: مطلقة على الدنيا.
والفرح: المسرة ورضى الإِنسان على أحواله، فهو انفعال نفساني.
والمرح ما يَظهر على الفارح من الحركات في مشيه ونظره ومعاملته مع الناس وكلامه وتكبره فهو هيئة ظاهرية.
و{بِغَيْرِ الحَقِّ} يتنازعه كل من {تفرحون} و{تمرحون} أي تفرحون بما يسركم من الباطل وتزدهون بالباطل فمن آثار فرحهم بالباطل تطاولُهم على الرسول صلى الله عليه وسلم ومن المرح بالباطل استهزاؤهم بالرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، قال تعالى: {وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين} [المطففين: 30، 31].
فالفرح كلما جاء منهيًا عنه في القرآن فالمراد به هذا الصنف منه، كقوله تعالى: {إذ قال له قومه لا تفرح إن اللَّه لا يحب الفرحين} [القصص: 76] لا كلُّ فَرح، فإن الله امتنّ على المؤمنين بالفرح في قوله: {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر اللَّه} [الروم: 4، 5].
وبين {تفرحون وتمرحون} الجناس المحرَّف.
وجملة {ادْخُلوا أبْوَابَ جَهَنَّم} يجوز أن تكون استنئافًا بيانيًا لأنهم لما سمعوا التقريع والتوبيخ وأيقنوا بانتفاء الشفيع ترقبوا ماذا سيؤمر به في حقهم فقيل لهم {أدْخُلوا أبوَابَ جهنَّم} ويجوز أن تكون بدل اشتمال من جملة {ذلكم بِمَا كنتم تفرحون} الخ، فإن مدلول اسم الإِشارة العذابُ المشاهد لهم وهو يشتمل على إدخالهم أبواب جهنم والخلودَ فيها.
ودخول الأبواب كناية عن الكون في جهنم لأن الأبواب إنما جعلت ليسلك منها إلى البيت ونحوه.
و{خالدين} حال مقدرة، أي مقدرًا خلودكم.
وفرع عليه {فَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكبرين} والمخصوص بالذم محذوف لأنه يدل عليه ذكر جهنم أي فبئس مثوى المتكبرين جهنمُ، ولم يتصل فعل بئس بتاء التأنيث لأن فاعله في الظاهر هو {مثوى} لأن العبرة بإسناد فعل الذم والمدح إلى الاسم المذكور بعدهما، وأما اسم المخصوص فهو بمنزلة البيان بعد الإِجمال فهو متبدأ خبره محذوف أو خبرُ مبتدإٍ محذوف، ولذلك عدّ باب نعم وبئس من طرق الإِطناب.
والمثوى: محل الثواء، والثواء: الإِقامة الدائمة، وأوثر لفظ {مثوى} دون مُدخل المناسببِ ل {ادخلوا} لأن المثوى أدل على الخلود فهو أولى بمساءتِهم.
والمراد بالمتكبرين: المخاطبون ابتداء لأنهم جادلوا في آيات الله عن كِبْر في صدورهم كما قال تعالى: {إنَّ الذين يجادلون في ءاياتت الله بِغَير سلطانن أتاهم إن في صُدُورهم إلاَّ كِبْرٌ مَا هُم ببالغيه} [غافر: 56] ولأن تكبرهم من فرحهم.
وإنما عدل عن ضميرهم إلى الاسم الظاهر وهو {المتكبرين} للإِشارة إلى أن من أسباب وقوعهم في النار تكبرهم على الرسل.
وليكون لكل موصوف بالكِبْر حظ من استحقاق العقاب إذا لم يتُب ولم تغلب حسناته على سيئاته إن كان من أهل الإِيمان.
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)} قد كان فيما سبق من السورة ما فيه تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم على ما تلقَّاه به المشركون من الإِساءة والتصميم على الإِعراض ابتداء من قوله في أول السورة {فَلاَ يَغْرُرك تقَلُّبُهم في البلاد} [غافر: 4] ثم قوله: {أوَلَمْ يَسِيُروا في الأرض فَيَنْظُروا كيْفَ كانَ عاقبة الذين كانُوا مِن قَبْلِهم} [غافر: 21]، ثم قوله: {إنَّا لَنَنْصر رُسُلنا} [غافر: 51] ثم قوله: {فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك} [غافر: 55] الآية، ففرع هنا على جميع ما سبق وما تخلله من تصريح وتعريض أن أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يلاقيه منهم، وهذا كالتكرير لقوله فيما تقدم {فَاصْبِر إنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ واستغْفِر لِذَنْبِك} [غافر: 55].
وذلك أن نظيره المتقدم ورد بعد الوعد بالنصر في قوله: {إنَّا لننصُرُ رُسُلنا والذين ءامَنُوا في الحياة الدُّنيا ويوْمَ يَقُوم الأشهاد} [غافر: 51] ثم قوله: {ولقد ءاتينا موسى الهُدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب} [غافر: 53] الآية، فلما تمّ الكلام على ما أخذ الله به المكذبين من عذاب الدنيا انتقَلَ الكلامُ إلى ذكر ما يلقونه في الآخرة بقوله: {الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رُسُلنا فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل} [غافر: 70، 71] الآيات، ثم أعقبه بقوله: {فاصبر إن وعد الله حق} عوْدًا إلى بدء إذ الأمر بالصبر مفرّع على ما اقتضاه قوله: {فَلا يَغْرُرك تقلبهم في البلاد كَذَّبَت قبلهم قومُ نوح} [غافر: 4، 5] الآيات، ثم قوله: {وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر} [غافر: 18] ثم قوله: {أوَلَمْ يَسِيروا في الأرضضِ فَيَنظُروا} [غافر: 21] وما بعده، فلما حصل الوعد بالانتصاف من مكذبي النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، أعقب بقوله: {فَاصْبِر إنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فإمَّا نُرينَّك بعض الذي نعِدُهُم} فإن مناسبة الأمر بالصبر عقب ذلك أن يكون تعريضًا بالانتصار له ولذلك فرع على الأمر بالصبر الشرطُ المردَّد بين أن يريه بعض ما توعدهم الله به وبين أن لا يراه، فإن جواب الشرط حاصل على كلتا الحالتين وهو مضمون {فإلينا يُرْجعون} أي أنهم غير مفلَتين من العقاب، فلا شك أن أحد الترديديْن هو أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم عذابهم في الدنيا.
ولهذا كان للتأكيد ب إنَّ في قوله: {إنَّ وعد الله حق} موقعُه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين استبطأوا النصر كما قال تعالى: {وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر اللَّه} [البقرة: 214] فنزلوا منزلة المتردد فيه فأُكد وعده بحرف التوكيد.
والتعبير بالمضارع في قوله: {يرجعون} لإِفادته التجدد فيشعر بأنه رجوع إلى الله في الدنيا.
وقوله: {فإمَّا نُرِيَنَّكَ} شرط، اقترن حرف إنْ الشرطية بحرف ما الزائدة للتأكيد ولذلك لحقت نون التوكيد بفعل الشرط.
وعطف عليه {أو نَتَوفَّيَنَّكَ} وهو فعل شرط ثان.
وجملة {فإلينا يُرْجَعُون} جواب لفعل الشرط الثاني لأن المعنى على أنه جواب له.
وأما فعل الشرط الأول فجوابه محذوف دل عليه أول الكلام وهو قوله: {إنَّ وعد الله حق} وتقديرُ جوابه: فإما نرينك بعض الذي نعدهم فذاكَ، أو نتوفينك فإلينا يُرجعون، أي فهم غير مفلَتين مما نعدهم.
وتقدم نظير هذين الشرطين في سورة يونس إلا أن في سورة [يونس: 46] {فإلينا مرجعهم} وفي سورة غافر {فإلينا يُرْجعون} والمخالفة بين الآيتين تفنن، ولأن ما في يونس اقتضى تهديدهم بأن الله شهيد على ما يفعلون، أي على ما يفعله الفريقان من قوله: {ومنهم من يستمعون إليك} [يونس: 42] وقوله: {ومنهم من ينظر إليك} [يونس: 43] فكانت الفاصلة حاصلة بقوله: {على ما يفعلون} [يونس: 46]، وأما هنا فالفاصلة معاقبة للشرط فاقتضت صوغ الرجوع بصيغة المضارع المختتم بواو ونون، على أن {مرجعهم} [يونس: 46] معرف بالإِضافة فهو مشعر بالمرجع المعهود وهو مرجعهم في الآخرة بخلاف قوله: {يرجعون} المشعر برجوع متجدد كما علمت.
والمعنى: أنهم واقعون في قبضة قدرتنا في الدنيا سواء كان ذلك في حياتك مثل عذاب يوم بدر أو بعد وفاتك مثل قتلهم يوم اليمامة، وأما عذاب الآخرة فذلك مقرر لهم بطريق الأوْلى، وهذا كقوله: {أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون} [الزخرف: 42].
وتقديم المجرور في قوله: {فإلينا يُرْجعون} للرعاية على الفاصلة وللاهتمام. اهـ.